يرجع البعض بدايات السينما، أو بتعبير أدق ما قبل البدايات إلى ما دوَّنه الفنان والمهندس والعالم الإيطالي، ليوناردو دافنشي من ملاحظات ذكرها جيوفاني باتستا دي لابورتا، في كتابه السحر الطبيعي Natural Magic عام 1558، فقد لاحظ دافنشي أن الإنسان إذا جلس في حجرة تامة الظلام، بينما تكون الشمس ساطعة خارجها، وكان في أحد جوانبها ثقب صغير جدًا في حجم رأس الدبوس، فإن الجالس في الحجرة المظلمة، يمكنه أن يرى على الحائط الذي في مواجهة هذا الثقب الصغير ظلالاً أو خيالات لما هو خارج الحجرة، مثل الأشجار، أو العربات، أو الإنسان الذي يعبر الطريق، نتيجة شعاع من الضوء ينفذ من الثقب الصغير. أما البداية الحقيقية لميلاد صناعة السينما، فتعود إلى حوالي عام 1895م، نتيجة للجمع بين ثلاثة مخترعات سابقة هي اللعبة البصرية، والفانوس السحري، والتصوير الفوتوغرافي، فقد سجل الأخوان أوجست ولويس لوميير Auguste & Louis Lumiere اختراعهما لأول جهاز يُمكِّن من عرض الصور المتحركة على الشاشة في 13 فبراير 1895 في فرنسا، على أنه لم يتهيأ لهما إجراء أول عرض عام إلا في 28 ديسمبر من نفس العام، فقد شاهد الجمهور أول عرض سينماتوغرافي في قبو الجراند كافيه Grand Café، الواقع في شارع الكابوسين Capucines بمدينة باريس. لذلك فالعديد من المؤرخين يعتبرون لويس لوميير المخترع الحقيقي للسينما، فقد استطاع أن يصنع أول جهاز لالتقاط وعرض الصور السينمائية، ومن هذا التاريخ أصبحت السينما واقعاً ملموساً. وقد شاهدت نيويورك في أبريل 1895، عرضاً عاماً للصور المتحركة. ثم ما لبث آرمان وجينكينز، أن تمكنا من اختراع جهاز أفضل للعرض، استخدماه في تقديم أول عرض لهما في سبتمبر من السنة نفسها- الأمر الذي حدا بتوماس إديسون Thomas Edison لدعوتهما للانضمام إلى الشركة التي كان قد أسسها لاستغلال الكينيتوسكوب Kinetoscope. وفي العام التالي تمكن إديسون من صنع جهاز للعرض يجمع بين مزايا الجهازين، وأقام أول عرض عام له في أبريل 1896 فلقي نجاحاً كبيراً.
و يقسم الناقد والمؤرخ السينمائي الأمريكي فيليب كونجليتون، المراحل التي مرَّ بها تطور الفيلم السينمائي من منظور التأثر بنمو السوق إلي العصور التالية:
. عصر الريادة – 1895 – 1910:
في هذا العصر بدأت صناعة الفيلم، الكاميرا الأولى، الممثل الأول، المخرجون الأول كانت التقنية جديدة تماماً، ولم تكن هناك أصوات على الإطلاق، ومعظم الأفلام كانت وثائقية، خبرية، وتسجيلات لبعض المسرحيات، وأول دراما روائية كانت مدتها حوالي خمسة دقائق، وبدأت تصبح مألوفة حوالي عام 1905 مع بداية رواية الفنان الفرنسي جورج ميلييه Georges Melies، رحلة إلى القمر A Trip to the Moon عام 1902، وكانت الأسماء الكبيرة في ذلك الوقت هي إديسون، لوميير، وميلييه بأفلامه المليئة بالخدع. وعند مشاهدة هذه الأفلام يؤخذ في الاعتبار أنها كانت تشكل المحاولات الأولى، وأن السينما كانت وما تزال أداة اتصال جديدة، فلا يجب أن يُنظر إليها على أنها تافهة، ربما تكون حقاً بدائية، ولكن يجب إدراك أن الطاقة والعمل الذي بذل لإنتاج هذه الأفلام كان مبهراً، وأن أخذ المنتجين على عاتقهم مهمة إنتاج هذه الأفلام كان أمراً متميزاً.
. عصر الأفلام الصامتة – 1911-1926:
و يتميز هذا العصر عن سابقه بكثرة التجريب في عملية مونتاج الأفلام، فلم تكن هذه المرحلة صامتة بالكامل، فقد كانت هناك استخدامات لطرق ومؤثرات صوتية خاصة، بينما لم يكن هناك حوار على الإطلاق حتى المرحلة التالية، فاختلف الشكل، واختفت التسجيلات المسرحية لتحل محلها الدراما الروائية، ويعد هذا أيضاً بداية لمرحلة الأفلام الشاعرية ذات الطابع التاريخي الأسماء الشهيرة في هذه المرحلة ضمت شارلي شابلن Charles Chaplin، ديفيد جريفيث David Griffith وغيرهم. وتكلفَّت أفلام هذه المرحلة أموالاً أكثر، وبدأت مسألة نوعية وجودة الفيلم تثير جدلاً، كما صنعت أنواع مختلفة من الأفلام في هذه المرحلة.
. عصر ما قبل الحرب العالمية الثانية – 1927-1940:
يتميز هذا العصر بأنه عصر الكلام أو الصوت، ولكن فيليب كونجليتون يرى، أن هذا التصنيف غير دقيق، فذلك يعني أن هناك مرحلتين في تاريخ الفيلم: الصمت والكلام ، كما شهدت أفلام الثلاثينيات استخداماً أكثر للألوان، وبدأت الرسوم المتحركة، وفي هذه المرحلة أيضاً ظهرت العروض النهارية للأفلام، وبدأت تتنامى في المسارح مع موجة الكوميديا، و في هذه المرحلة أيضاً بدأت نوعية الفيلم تزداد أهميتها مع ظهور جوائز الأوسكار، وحب الجمهور للسينما. من هنا أصبح يُنظر للفيلم في هذه المرحلة كمراهق بدأ ينضج، ويمكن التمييز بين الأفلام التي كلّفت أموالاً كثيرة عن الأفلام التي لم تكلِّف كثيراً، وبالرغم من أن التقنية المستخدمة في صناعة الفيلم كانت ما تزال بدائية، لكنها بهرت العديد من رواد السينما.
. العصر الذهبي للفيلم – 1941-1954:
أحدثت الحرب العالمية الثانية كل أنواع التغيرات في صناعة الفيلم، فخلال وبعد الحرب ازدهرت الكوميديا بشكل ملحوظ، وتربَّعت الأفلام الموسيقية على عرش السينما، كما انتشرت أفلام الرعب، ولكن باستخدام ضئيل للمؤثرات الخاصة بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، فقد صنعت نفقات الإنتاج فرقاً ملحوظاً بين الميزانيات الكبيرة والصغيرة للأفلام، ولجأت استوديوهات السينما لاستخدام ميزانيات صغيرة لإنتاج أفلام غير مكلِّفة للعامة، وذلك لجذب الجماهير. لذلك ظهرت الأفلام الجماهيرية في هذه المرحلة والتي يمكن تصنيفها إلى أفلام استخبارات، أفلام غابات، والأفلام الاستغلالية. أما أفلام الخيال العلمي فقد ظهرت حوالي عام 1950.
. العصر الانتقالي للفيلم – 1955-1966:
يُسمي فيليب كونجليتون هذه المرحلة بالعصر الانتقالي، لأنه يمثل الوقت الذي بدأ فيه الفيلم ينضج بشكل حقيقي، فقد ظهرت في هذا العصر التجهيزات الفنية المتطورة للفيلم من موسيقى، وديكور، وغير ذلك. وفي هذا العصر بدأت الأفلام من الدول المختلفة تدخل إلى الولايات المتحدة الأمريكية من خلال حوائط هوليوود السينمائية، وبدأت الأفلام الجماهيرية تستبدل بأفلام رخيصة، كما بدأت الاستوديوهات الكبيرة تفقد الكثير من قوتها في مجال التوزيع. كما ظهر لصناعة الفيلم عدو جديد يسمى التليفزيون، مما أبرز المنافسة حول نوعية المنتج وجودته. وبدأت السينما تقتحم موضوعات اجتماعية أكثر نضجاً، وانتشرت الأفلام الملوَّنة لتصبح الأغلبية بجوار الأبيض والأسود، وبدأت الحرب الباردة لتغير وجه هوليوود، وظهرت المؤثرات الخاصة، وبرزت الفنون الأخرى المصاحبة كالديكور والاستعراضات.
. العصر الفضي للفيلم – 1967-1979 :
يرى بعض المؤرخين أن هذه الفترة بالفعل، هي مرحلة الفيلم الحديث، و كانت مرحلة جديدة وقتها ويبدأ العصر الفضي للسينما . وقد ظهرت عدة أفلام خالية من الصور المتحركة. وكان من جراء انتشار هذه النوعية من الأفلام الناضجة، الخارجة عن الأخلاق العامة، أن ظهرت أنظمة جديدة للرقابة وتكوَّنت الأسماء الشهيرة التي حكمت هذا العصر . انخفضت نسبة أفلام الأبيض والأسود إلى 3% من الأفلام المنتجة في هذه الفترة. فأصبحت هوليوود تعرف حقاً كيف تصنع أفلاماً ، وأصبح هناك فارقٌ كبيرٌ بين الميزانيات الكبيرة والضئيلة للأفلام، كما يمكن أيضاً مقارنة الجوانب الأخرى الغير مادية للفيلم، لذا لا يجب أن ينظر للأفلام ذات الميزانية الضئيلة على أنها رديئة.
. العصر الحديث للفيلم – 1980-1995 :
بدأ هذا العصر عام 1977، عندما أنتج فيلم “حروب النجوم” Star Wars، الذي ُيعد أول إسهام للكمبيوتر والتقنية الحديثة في تصميم المؤثرات الخاصة ، ففي هذه المرحلة بدأ انتشار الكمبيوتر والفيديو المنزلي، التليفزيون السلكي. واعتمدت هذه المرحلة اعتماداً كبيراً على الميزانية الضخمة بدلاً من النص والتمثيل، ولكنها احتفظت بالقدرة على إنتاج نوعية جيدة من أفلام التسلية الممتعة.
. التكنولوجيا الحديثة والفيلم السينمائي :
تقدَّم الفيلم السينمائي خطوة خطوة، من الرسوم، إلى الصور الفوتوغرافية، إلى الصور المطروحة على شاشة، إلى الصوت، إلى اللون، إلى الشاشة العريضة، إلى شاشة الأبعاد الثلاثة، بل ما تزال التجارب العلمية جارية لإضافة حاسة الشم للتجربة الفيلمية بإطلاق عطور أثناءها. وشهد العقدين العقدان الأخيران تصاعداً في العلاقة بين صناعة السينما، وبين أحدث وسائط المعلومات والاتصال، وهي شبكة الإنترنت. بدأت العلاقة بين السينما والإنترنت، بشكل تقليدي حيث استغلت السينما الشبكة الوليدة كوسيلة للنشر العلمي والتقني عام 1982، وتصاعدت العلاقة حتى أصبحت الإنترنت وسيلة لنشر، أو لعرض الأفلام السينمائية، إضافة إلى تسويقها أو الدعاية لها ، وقد أضاف الكمبيوتر إمكانات مذهلة في عملية الإنتاج السينمائي أتاحت لصانعي الأفلام إضافة كائنات غير موجودة في الطبيعة، لتلعب أدواراً مهمة في الأحداث تشارك الممثلين الحقيقيين، وتمثل معهم، وقد تحدث بينهم مطاردات واشتباكات، كما جعل الممثلين الحقيقيين يأتون بأعمال خارقة ومثيرة لم تحدث، ولا يمكن أن تحدث. ومن خلال أحد تطبيقات الكمبيوتر أيضاً، أتيحت الفرصة للمستخدم، أن يشاهد ما يود مشاهدته من أفلام، من خلال قائمة موجودة لديه، فما عليه إلا أن يطلب ذلك من جهاز الكمبيوتر، فيبادر بتلبية رغبته، ويظهر الفيلم المطلوب على شاشة الجهاز. ولعل السينما الإلكترونية، مجرد خطوة على طريق التزاوج بين تقنيات السينما والتقنيات الإلكترونية. آفاق الثورة الجديدة في تكنولوجيا السينما: ساهمت الثورة التقنية الإلكترونية في مجال صناعة السينما، في مواجهة مشكلة ارتفاع تكاليف الإنتاج، حيث وصلت الميزانية المتوسطة لإنتاج فيلم في الولايات المتحدة، إلى حوالي 60 مليون دولار، وفقا لتقديرات أواخر التسعينيات؛ وذلك من خلال ظهور موجة من المخرجين الجدد، يعتمدون بشكل أساسي في إنجاز الأفلام، على تقنية كاميرات الفيديو الرقمية، التي توفر الكثير من نفقات الإنتاج. ولم يتوقف تأثير هذا الاتجاه الجديد على المخرجين الشباب؛ بل بدأ بعض المخضرمين في هوليود، في إدراك ملامح المستقبل القادم. وهناك عامل آخر يفرض نفسه؛ هو سهولة التوزيع حيث تتيح هذه التكنولوجيا، عرض الأفلام على شبكة الإنترنت دون القتال من أجل عرض الأفلام الصغيرة في عدة دور سينمائية محدودة. وتقدم العديد من الشركات خدمات التوزيع عبر الإنترنت لمنتجي الأفلام، ومع استمرار الجهود نحو زيادة كفاءة وسرعة نقل البيانات عبر الشبكة، فإن النتائج في المستقبل يتوقع أن تكون مذهلة.
العليقات (1)
21 أغسطس 2014 الساعة 12:44 م
السلام عليكم,
اولا انا معجب جدا بفكرة المدونة .. و بالاخص بالموضوعات و تقسيماتها .. و كنت طالب بس لو عندك كتب عن التمثيل او صناعة السينما عامة اقدر احملها اون لاين تبعتلي اللنك او تنزلها في المدونة.
بس حاجة غير كتاب ستانسلافسكي لانه عندي
شكرا