جلس على صخرةٍ عند حافة وادٍ ضيق، تتأمل عيناه أرضًا كانت تمتد أمامه كحلمٍ قديم، أرضًا تعاقبت عليها أجيالٌ من الصمود والحب، نسجت من ترابها ذكريات لا تمحى. وفي قلب الليل، تقدم إليه رجل غريب، وجهه غائمٌ كظلال الخريف، يحمل في يده ورقةً وعرضًا مشؤومًا: بع لي أرضك، وخذ هذا الكنز الذي لا ينضب، وارتحل بسلامٍ بعيدًا عن الخوف.

للحظةٍ قصيرة، تردد.. عيناه جالتا بين الأرض والكنز، بين الماضي والمستقبل.

غلبه الطمع، فأمسك بالقلم ووقّع.

ما إن أخذ الغريب الوثيقة حتى ابتسم ابتسامة غريبة، ثم ضحك ضحكةً عالية ومفاجئة. أخرج من جيبه شيئاً صغيراً، وإذا به “مفتاح” أشار به نحو الأرض، وفجأة! كأن الأرض بأكملها طُويت وتحوّلت إلى صندوق صغير بحجم حقيبة، ليضعه الرجل في جيبه كأنه لا شيء!

مضت الأيام، وحان وقت الرحيل، حين شرع في مغادرة أرضه، حاملاً كنزه، فتح الصندوق بحماس،أدرك الحقيقة المروعة.. الكنز الذي استلمه كان عبارة مرآة مشروخة من منتصفها وأطرافها صدئة! نظر إلى المرآة، وبدلاً من أن يرى وجهه كما هو، وجد صورته مشوهة، غير واضحة، نصفها مظلم والنصف الآخر مكسور، فأدرك الرجل ما حدث؛ لم تكن المرآة سوى انعكاس لحياته التي تشوهت، لما فعله بنفسه وبأرضه، كلما حاول النظر في المرآة ليرى مستقبله، كان يرى نفسه يتحطم أكثر.

أما الأرض التي اختفت فلم تعد مجرد تراب، بل تحولت إلى ذكرى عالقة بين الظلال، لا وجود لها إلا في ذهنه المتلاشي.

رحل الرجل الغريب، واختفت الأرض تحت قدميه كأنها لم تكن. أما الرجل، فقد بقي وحيداً مع مرآة لا تعكس سوى خيانته وتشوه صورته التي لن يعود إليها الصفاء أبداً.

Loading

اقرأ أيضاً...