مع اختيار الكويت عاصمة للثقافة العربية 2025، نحن أمام لحظة تاريخية تحمل في طياتها مسؤولية كبيرة وفرصة ذهبية لتقديم الكويت كمنارة ثقافية مشرقة في محيطها العربي، ولو كنتُ مسؤولًا عن هذا الملف، فإني أرى أمامي آفاقًا واسعة لتجديد الحراك الثقافي في البلاد، بما يلبي تطلعات الأجيال الجديدة، ويعكس عمق التاريخ الكويتي وثقافته العريقة:
1. إعادة فتح قناة أطفال الكويت:
الطفل اليوم يعيش في عالم سريع التغير، ووسط زخم إعلامي هائل، لذا، فإن إعادة فتح قناة الكويت للأطفال وفق رؤية حديثة ومتجددة، يعد مشروعًا استراتيجيًا، ستكون القناة منصة تفاعلية تقدّم محتوىً تعليميًا وترفيهيًا، يزرع القيم الوطنية ويعزز الهوية، ويكون منسجمًا مع متطلبات الجيل الرقمي – (انطلقت في عام 2018 وتوقفت عن البث في 2023).
2. تشكيل إدارة تحرير قوية لمجلتي العربي والعربي الصغير:
مجلة العربي والعربي الصغير هما إرث ثقافي نفخر به، لذلك، فإن تشكيل إدارة تحرير متخصصة، مؤهلة للتعامل مع المعطيات الثقافية المعاصرة، سيسهم في إحياء هذا الإرث وإعادة تقديمه بشكل جذاب، ويمكن تطوير محتواهما ليشمل الوسائط الرقمية، واستقطاب قامات ثقافية مؤهلة لمواصلة بما يليق بإرث المجلتين العريق، والعمل على توسيع نطاق التوزيع ليشمل مختلف دول العالم – (مجلة العربي الصغير مجلة مخصصة للأطفال تصدر بالتزامن مع مجلة العربي التي صدر العدد الأول منها في فبراير عام 1986 بعد أن كانت تصدر ككتيب يوزع مع مجلة العربي بداية من عام 1958).
3. إعادة إصدار مجلة سعد الكويتية:
كانت مجلة سعد منبرًا مهمًا للأطفال، وإعادة إصدارها بروح عصرية سيشكل إضافة نوعية للمشهد الثقافي الكويتي، يمكن أن تكون المجلة منصة رقمية تفاعلية، تقدم قصصًا هادفة، ومعلومات مفيدة، وألعابًا تعليمية تُحفز التفكير والإبداع، على خطى بعض المجلات العربية التي حافظت على استمراريتها، كمجلة ماجد الإماراتية ومجلة سمير المصرية، اللتين لا تزالان تصدران منذ تأسيسهما – (مجلة سعد مجلة كويتية مصورة، أصدرتها دار الرأي العام، وصدرت لأول مرة في 8 أبريل 1969 كملحق لجريدة الرأي العام، ثم تحولت لاحقًا إلى مجلة فصلية مستقلة).
4. إحياء المكتبات العامة:
المكتبات العامة هي رئة الثقافة المجتمعية، إحياء المكتبات في مختلف مناطق الكويت، يمكن أن يُعيد الحياة إلى هذه المكتبات بالشراكة مع القطاع الخاص االمؤهل، والذي يمتلك خبرات واسعة في هذا المجال، اعتبار أن المكتبات ودور النشر الكويتية تمتلك خبرة عملية أثبتت فعاليتها من نجاحات ملموسة في هذا القطاع، وهو ما يساهم في تخفيف الضغط عن القطاع الحكومي وضمان استدامة المكتبات العامة من خلال دعم الشركاء وفق ضوابط تنظيمية واضحة، عبر توفير بيئة جاذبة وحديثة للزوار والقراء، وتسهيل الوصول إلى مصادر المعرفة والموارد الرقمية، لتلهم الأجيال الجديدة للاستكشاف والقراءة – (أنصحكم بزيارة مكتبة بيت الحكمة في إمارة الشارقة نموذجًا حديثًا للتجارب الثقافية المميزة في دولة الإمارات الشقيقة).
5. تنظيم رحلات سياحية ثقافية:
إن تنظيم رحلات ثقافية وسياحية لدعوة زوار من مختلف البلدان للتعرف على ثقافة وتراث المجتمع الكويتي ، سيعزز مكانة الكويت كعاصمة للثقافة العربية، يمكن لهذه الرحلات أن تشمل زيارات للمراكز الثقافية والمتاحف والأسواق التراثية، إضافة إلى حضور فعاليات وأنشطة تعكس الروح الثقافية للكويت، ولا بد من تسهيل جميع الإجراءات المتعلقة بالسياحة الثقافية، بدءًا من حجوزات السفر والإقامة، وصولًا إلى تسهيل التأشيرات وتأهيل العاملين في المراكز الثقافية، بما يجعل البلد مركزًا ثقافيًا حيويًا ينعكس إيجابيًا على الاقتصاد الوطني – (أعرف بشكل شخصي أن هناك العديد من الزوار من دول مختلفة يرغبون بشدة في زيارة الكويت سنوياً لحضور أبرز الفعاليات الثقافية فيها وهو معرض الكويت للكتاب، إلا أنهم يواجهون عائقًا يتمثل في ضبابية إجراءات إصدار التأشيرات باستمرار).
6. عقد مؤتمرات دولية حول التنمية الثقافية والتربوية:
إقامة فعاليات ثقافية دولية تشمل مؤتمرات وندوات بمشاركة شخصيات بارزة في الفكر والثقافة من مختلف دول العالم، تهدف هذه الفعاليات إلى بحث استراتيجيات النهوض بالحراك الثقافي والتربوي، وتقديم توصيات عملية لدعم المبادرات الثقافية، ومن شأن هذا التعاون أن يعزز مكانة الكويت كمركز ثقافي مؤثر في العالم العربي والدولي.
7. إنتاج أعمال كرتونية عالمية عن الكويت:
تمثل الرسوم المتحركة وسيلة قوية للتواصل مع الأطفال، لذا يمكن إنتاج مسلسلات كرتونية تعكس الهوية الثقافية للكويت وتُبرز تاريخها وقيمها بأسلوب حديث وجذاب. ولتحقيق هذا الهدف، يمكن عقد شراكات مع شركات الرسوم المتحركة العالمية، والاستعانة بمنصات البث الرقمي الكبرى لضمان الوصول إلى الأطفال في مختلف دول العالم.
8. إطلاق حزمة دعم تنموي للقطاع الثقافي الخاص:
دعم القطاع الخاص للاستثمار في الثقافة من خلال توفير حزمة شاملة من الحوافز، تشمل تسهيلات لوجستية وتمويلية، كالإعفاءات الضريبية وإنشاء بنى تحتية مناسبة، إلى جانب وضع تشريعات تُنظّم هذا القطاع بشكل مستدام. من شأن هذه الجهود أن تفتح آفاقًا جديدة لإنشاء مبادرات ثقافية مبتكرة ومشاريع تعليمية تُسهم في ترسيخ الثقافة الوطنية.
9. تأسيس محفظة تمويلية لدعم المشاريع الثقافية:
إطلاق محفظة تمويلية شاملة لدعم المشاريع الثقافية الناشئة، عبر توفير دعم مالي مباشر وبرامج احتضان للمبادرات الإبداعية، تتضمن هذه المحفظة آليات مرنة للتسجيل والتقديم، وإجراءات إدارية مبسطة تُسهل على رواد الأعمال الثقافيين الانخراط في المشاريع الثقافية. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تخصيص جزء من الموارد لدعم المشاريع التي تركز على الثقافة الرقمية والابتكار، مما يسهم في توسيع نطاق المشهد الثقافي المحلي وإثرائه بمشاريع حديثة ومؤثرة – (ولنا في تجربة هيئة الأدب والنشر والترجمة في السعودية مثال يحتذى، لتي أطلقت مشروعات مبادرات نوعية عززت النشر والترجمة محليًا ودوليًا).
10. تدشين جوائز ثقافية وأدبية متعددة التخصصات:
الجوائز الأدبية والثقافية تُعد محركًا أساسيًا لتعزيز الإبداع والتميز، ويمكن في هذا الإطار إطلاق جوائز متعددة تغطي مجالات الكتابة للأطفال، والرواية، والشعر، والإعلام الرقمي، والترجمة، والإنتاج الفني، ومن أجل إضفاء مزيد من الزخم على هذه المبادرة، يُقترح استقطاب رعاة استراتيجيين من داخل الكويت وخارجها لتقديم جوائز مالية ذات قيمة عالي، بالإضافة إلى ذلك، يمكن تأسيس حاضنة ثقافية متكاملة للفائزين، تعمل على تطوير مشاريعهم وتحويلها إلى مبادرات ثقافية مستدامة تسهم في دعم الثقافة الكويتية والانطلاق بها إلى آفاق دولية أوسع.
إن اختيار الدولة كعاصمة للثقافة العربية هو نداءٌ لتجديد العهد مع الثقافة والتربية والمعرفة، وإذا استطعنا تنفيذ هذه الخطط والمشاريع، سنُقدّم للأجيال القادمة بيئة ثقافية متجددة، ونجعل من البلاد مركزًا ثقافيًا متألقًا يحتفي بماضيه، ويصنع مستقبله بكل فخر وثقة، قد تكون المهام كثيرة والتحديات متشعبة، لكن علينا أن نبدأ بما بين أيدينا اليوم، ونعمل على تعزيزه بكل السبل، واضعين أمامنا رؤية ثقافية مستقبلية تؤمن بأن الثقافة هي القوة الناعمة التي تبني المجتمعات وتُثري هويتها بين الأمم.