رغم هيمنة التكنولوجيا على مجالات كثيرة من حياتنا اليوم، تظل الكتب الورقية تتمتع بسحر خاص لا يمكن إنكاره، خاصة في عالم الأطفال، ما يميز الكتب الورقية للأطفال ليس فقط النصوص أو الرسوم، بل التجربة الكاملة التي تقدمها لهم، فالملمس، ورائحة الورق، وحتى صوت تقليب الصفحات، تعزز من الحميمية بين الطفل والكتاب، مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من تطورهم العاطفي والمعرفي.
في السنوات الأخيرة، شهدت صناعة الكتب الورقية تطورًا ملحوظًا مع إدخال تقنيات تفاعلية تميز الكتاب عن غيره من الوسائط. لم تعد الكتب الورقية مقتصرة على النصوص والصور الثابتة؛ بل أصبحت كتب الأطفال اليوم تحفًا فنية بحد ذاتها، هناك كتب تحتوي على عناصر تفاعلية مثل الأجزاء المتحركة، أو النوافذ الصغيرة التي يمكن للأطفال فتحها لاكتشاف صور مخفية، وأخرى تعتمد على الأبعاد الثلاثية لتجعل الشخصيات أو المشاهد تنبض بالحياة أمام أعينهم.
هذه التقنيات الورقية المبتكرة تطورت بشكل كبير في مصانع الكتب العالمية، حيث يتم التركيز على دمج الخيال بالواقع، لجعل الكتاب أكثر من مجرد وسيلة للقراءة، فبعض الكتب تحتوي على عناصر ملموسة مثل قوامات مختلفة للورق، مما يتيح للأطفال استكشاف الحواس بشكل أعمق أثناء القراءة، كما تم إدخال مواد تفاعلية تجعل الأطفال قادرين على اللعب مع الشخصيات أو حتى بناء أجزاء من القصة بأنفسهم، وهو ما يعزز من قدرتهم على التفكير الإبداعي والتحليلي.
من خلال مشاركتي وحضوري المستمر في المؤتمرات الدولية وزياراتي لمعارض الكتب والمصانع الكتب المتخصصة، لاحظت ازدهار هذه الصناعة يومًا بعد يوم، فالسوق العالمي للكتب الورقية التفاعلية يشهد انتعاشًا غير مسبوق، مما يفتح بابًا واسعًا للمستثمرين في مجال الاقتصاد الثقافي، هذه الكتب تمثل فرصة ذهبية لتصدير الثقافات المجتمعية بأسلوب ناعم وفعال، فكل كتاب هو نافذة على مجتمع وقيمه، مما يتيح للأطفال في جميع أنحاء العالم اكتساب المعرفة عن ثقافات متنوعة بطريقة مشوقة.
هذا الازدهار لا يأتي من فراغ، بل تدعمه سياسات حكومية وبرامج دعم خاصة تشجع على تطوير هذه الصناعة، العديد من الدول تقدم حوافز للمؤلفين والناشرين لتعزيز إنتاج الكتب التفاعلية، وترويجها على نطاق واسع، إضافة إلى ذلك، يتم الترويج لهذه الكتب بجميع اللغات، حيث يشكل التسويق والترويج عنصراً أساسياً لنجاحها وانتشارها عالميًا، من خلال التعاون بين الحكومات، المؤسسات الثقافية، والشركات الخاصة، وتم بناء أنظمة خاصة معتمدة لدعم هذه الصناعة، بدءًا من الإنتاج وصولاً إلى التصدير والترويج.
الكتب الورقية في عصرنا الحالي لم تعد مجرد وسيلة لقراءة وحكاية القصة فقط، بل أصبحت تجربة شاملة بفضل الابتكارات الطباعة وتقنيات التصنيع، ويمكن من خلالها للكتاب الورقي أن يجمع بين المتعة البصرية والتفاعل العملي، مما يجعله خيارًا مفضلًا بين الأهالي والمعلمين الذين يرغبون في تحفيز الأطفال على القراءة.
بالرغم من بزوغ الكتب الرقمية، يظل الكتاب الورقي التفاعلي محتفظًا بمكانته الفريدة، فالحميمية التي يوفرها، إلى جانب التقنيات المتطورة التي تدخل في تصميمه، تجعل منه تجربة فريدة للأطفال، حيث يمزج بين التعليم والترفيه بشكل متناغم ومبدع.