في صغري، استحوذت عليّ أمنية أن أصبح لاعب كرة قدم مشهوراً، ألبس القميص رقم 10 وأسجل الأهداف التي تهز المدرجات هتافًا، بدأ هذا الشغف مع كرة بحر بسيطة، كنت أركلها وحيدًا في زوايا المنزل، كان صدى الكرة وهي ترتطم بالجدار يملأني إحساسًا بالنشوة، وكأن الهتافات تتردد في أذني كأنها لحن لا ينتهي.
ومع مرور الوقت، تأجج هذا الحلم كالنار في الهشيم، وبدأت ألعب يومًا بعد يوم، مستلهمًا مهارتي من عظماء الملاعب، تأثرت بأداء أساطير منتخب الكويت في العصر الذهبي كجاسم يعقوب وفيصل الدخيل، ورموز الكرة العالمية، كنت أنتظر بلهفة لحظة العودة إلى المنزل بعد المدرسة، حيث تتحول ساعات الظهيرة والمساء إلى ميادين للمباريات التي تجمعني بأبناء الحي والجيران، شكلنا فرقًا تنافسية ونظمنا دوريات محلية، كأنها في مخيلتنا بطولات عالمية تسكنها الأحلام.
ولم يتوقف شغفي عند حدود الملاعب المفتوحة؛ بل كان يمتد إلى كل لحظة من حياتي، حتى الاجتماعات العائلية لم تكن تخلو من كرة القدم، فكنت أستغل كل فرصة للعب مع أبناء العمومة والأخوال، وأحيانًا كانت الكرة تحدث الفوضى؛ ككسر شيء هش كالمصابيح المعلقة أو زجاج النوافذ، أو حتى قذفها إلى منازل الجيران، ويتحول استردادها إلى مغامرة مليئة بالضحكات والتوبيخ أحياناً.
في المدرسة، كانت حصة الرياضة أشبه بعيد أسبوعي، فرصة لإعادة إحياء لحظات المباريات الكبرى التي ملأت شاشات التلفاز، نحاكي أهداف مارادونا المدهشة، ومهارات فان باستن الحاسمة، وضربات بيليه الساحرة، وكأننا نحمل على عاتقنا أمانة تمثيل كرة القدم العالمية في ساحات المدرسة الصغيرة.
لم يكن شغفي يقتصر على اللعب فقط، بل تجاوز ذلك إلى متابعة كل ما يمت لكرة القدم بصلة، أرصد مباريات المنتخب الكويتي في كأس الخليج بشغف لا حدود له، وأراقب الدوري المحلي، توسعت آفاقي مع متابعة الدوريات الأوروبية الكبرى مثل الإيطالي والإنجليزي، حتى صارت مباريات كأس العالم بمثابة مهرجان مقدس، لم أكتفِ بالمشاهدة، بل كنت أواظب على قراءة الصحف الرياضية اليومية واقتناء المجلات المتخصصة التي كانت نافذتي إلى عالم النجوم وأسرارهم.
ومع ذلك، حين حاولت تحقيق حلمي بالانضمام إلى الأندية المحلية، واجهت أبوابًا مغلقة! كانت الأعذار متعددة؛ من الاكتفاء باللاعبين إلى غياب “الواسطة” التي بدت المفتاح الوحيد للقبول، ومع كل محاولة فاشلة، كان حلمي يتضاءل شيئًا فشيئًا، حتى تبخر.
نهاية المطاف، أدركت أن هذا الحلم لم يكن مكتوبًا لي، ربما كانت الأقدار تقودني بعيدًا عن طريق مليء بالعقبات، كالإيقاف الرياضي والمحسوبيات والفساد الإداري، فتعلمت أن الأحلام أحيانًا لا تتحقق، لتفسح المجال لأخرى أكثر حكمة وأعمق أثرًا. الأقدار تختار لنا دروبًا قد تكون أشد إشراقًا مما نتصور، تمنحنا دروسًا في الصبر وإعادة تشكيل الطموحات بطرق لم نكن نحسب لها حسابًا.