في جزيرة نائية تميزت بنظامها الديمقراطي الذي أتاح لكل مواطن حق التعبير عن رأيه، كانت الحكومة تواجه معضلة متزايدة، الأصوات المتعددة والمتباينة باتت تعصف باجتماعاتها وقراراتها، مما جعل إدارة شؤون الجزيرة أمراً مرهقاً ومعقداً، وأمام هذا الواقع، وجدت السلطات نفسها أمام خيار غير مألوف.. تخصيص يوم عالمي للصمت.

في اليوم المحدد، استجابت الجزيرة بأسرها للقرار، لم تكن هناك كلمات تُقال في الأسواق، ولا جدل يُسمع في المكاتب، ولا أصوات تُناقش في الساحات، حلَّ على الجزيرة هدوء عميق لم تألفه من قبل، وكأنها انسحبت من ضجيج العالم إلى حالة من الصمت المهيب.

حين انتهى ذلك اليوم، تنفس الناس الصعداء، بدا وكأنهم أزاحوا عن كواهلهم عبء الحديث المستمر، واستعادوا القدرة على التعبير بطرق أخرى، أكثر هدوءاً وأقل صخباً. ولكن، شيئاً فشيئاً، أدرك سكان الجزيرة شيئاً غريباً! أنهم ارتاحوا لهذا الصمت، ورغبوا في تمديده، وهكذا، وبعد نقاشات وإيماءات لا صوت لها، تقرر جعل الصمت أسلوب حياة مستدام يشمل العام بأكمله.

بينما وجد المواطنون في ذلك السكون راحة للنفس وعلاجاً للضجيج الذي اعتادوه، كانت الحكومة تواجه مأزقاً جديداً، لم يعد بإمكانها قياس نبض الشارع، أو فهم مطالب الشعب. لم تعد تعلم من يشتكي من أي قضية، ولا كيف تحل النزاعات التي كانت تُطرح علناً. الاجتماعات الحكومية تحولت إلى طقوس هادئة بلا جدوى، والقرارات باتت تُتخذ بناءً على تخمينات لا على حوارات.

مع مرور السنوات، غدا الصمت عبئاً على الناس أنفسهم، وكأنهم عاقبوا أنفسهم بأنفسهم، أما الحكومة، فلم تجد مخرجاً سوى فرض غرامات على المخالفين لهذا الصمت، واستخدام تلك الأموال لإقامة مراكز تأهيلية تشجع الناس على الحديث!

Loading

اقرأ أيضاً...