نعيش في زمن أصبحت فيه الثقافة أقرب إلى مزاد علني، لكن العروض ليست على الكتب أو الأفكار، بل قفز لدخلاء يتسابقون ويتسلقون إلى الشهرة والمناصب والكراسي!
كاتب لم يقرأ كتابًا يومًا، يقف بفخر بين طوابير المعجبين لتوقيع روايته ‘الملحمية’ التي كتبها الناس يتهافتون عليه لأن برنامجه على اليوتيوب عبارة عن خليط مبتذل يجمع بين النكات السطحية والحوارات عديمة الجدوى!
قارئ يلتقط صورة في مقهى فاخر مع كتاب يحمله كديكور، إذا فتحت الكتاب، ستجده مليئًا بصفحات شبيهة بأوراق دعاية لعروض التنزيلات في السوبرماركت، ومع ذلك، ينشر في إنستغرام: “الثقافة هي غذاء الروح”، فتنفجر حساباته على السوشيال ميديا باللايكات والتعليقات على هذه الصورة!
مذيعة تستضيف واحد أهبل لأنه فقط مشهور! كضيف في برنامج عن الأدب والفكر والثقافة، منشغلة بمكياجها كأن اللقاء جلسة تصوير، غير مكترثة بمحتوى النقاش إن كان عن الأدب أو وصفات الطبخ، فالضيف نفسه يظن أن ‘غوته’ اسم نوع من الحلويات الفرنسية!
مدير معرض الكتاب، يحمل شهادة رابعة متوسط، هو الوحيد الذي يملك صلاحية تحديد دور النشر التي يحق لها المشاركة في معارض الكتب! ورئيس مجلس إدارة اتحاد مكتبات عامة لا يميز بين الكتاب وألبوم الصور، كلاهما يعلنان في المؤتمرات الصحفية عن فعاليات لتحويل البلاد إلى عاصمة ثقافية، بشرط أن يبقيا أصحاب القرار الوحيدين، يمسكان بزمام الثقافة في يد، وباليد الأخرى يمسكان مقصًا يقطع كل فكرة لا تعجبهم!
وزير ثقافة يعتقد أن الثقافة عبارة عن طاولات مستديرة وحفلات كوكتيل، وعضو اتحاد مثقفين قد لا يعرف كم كتابًا صدر في العام الماضي، لكنه خبير في عدّ صور السيلفي مع الكتّاب في المعارض!
أكتفي بذكر تلك المهن المتسلقة على الثقافة دون التطرق إلى البقية، فالقائمة ستطول بلا شك.
حين يتم تعيين أشخاص لا يملكون أي مؤهلات، وفق قاعدة ‘مين يعرف مين؟’ والكرسي أصبح الهدف المقدس، ولو كان الثمن التضحية بالفكرة والإبداع، فالنتيجة؟! مشهد ثقافي أشبه بمسرحية هزلية، أبطالها يتظاهرون بالخبرة والمعرفة، بينما يصفق الجمهور إما مجاملة أو لأنهم اعتادوا التصفيق بلا سبب!
يبدو أن المتصدرين لمناصب وشهرة الثقافة اليوم، هم أنفسهم أبطال لعبة المسلسل الكوري الشهير ‘لعبة الحبار Squid Game’ ،لعبة قاتلة تصممها عصابات متحكمة، تُجبر الجمهور على اللعب وفق قواعدها الصارمة، ومن يجرؤ على الخروج عنها يُصفى بلا شفقة!
بالمناسبة، هذه الصورة التُقطت لي مع هذا المزيون في معرض دبي إكسبو الدولي عام 2021 عند جناح كوريا الجنوبية.