منزل الأحلام..كابوس التنفيذ!

حين قرر بناء بيت العمر، كان شغفه بالحلم يعميه عن أي حذر، تخيله قلعة شامخة، أو على الأقل بيتاً يليق بأحلامه الوردية، فجاب المكاتب الهندسية، يستمع إلى العروض الفاخرة، ويرسم في خياله كل زاوية بدقة المهندس المبتدئ، ووقع اختياره على مقاول يتحدث بثقة مفرطة، حتى إنه قال له يوم توقيع العقد: اطمئن، سأبني لك بيتًا تحلم أن تعيش فيه حتى بعد الموت!

بدأ العمل بحماسة، لكن سرعان ما بدأ الحلم يتهاوى! فمع تقدم البناء، تساقطت الأخطاء والهفوات واحدة تلو الأخرى كأحجار الدومينو، لكن الحقيقة كانت أن المقاول يقتطع التكاليف ليزيد أرباحه دون رقيب!

استيقظ ذات صباح ليجد موقع البناء مهجورًا، وأدوات العمل مبعثرة كأنها بقايا معركة منسية، حتى أكواب الشاي التي اعتاد العمال تركها على الجدران نصف المشيدة كانت فارغة، تمامًا كحسابه البنكي! سأل هنا وهناك، فلم يجد سوى ردود غامضة وابتسامات متشفية، حتى وصله الخبر القاتل: المقاول سافر فجأة في رحلة بلا عودة، ومعه كل الأموال!

مرت السنوات، استنزف فيها ما تبقى من أمواله لإكمال البناء، لكنه خرج بشيء لا يمكن تصنيفه، لا هو منزل، ولا هو أطلال! بلا منطق في توزيع الغرف، بصالون يتوسطه عمود خرساني أقرب إلى نصب تذكاري للغباء الهندسي! وحين طلب توصيل الكهرباء، جاءه الرد كالصاعقة: عذرًا، البيت غير مطابق للمواصفات، غير صالح للسكن!

طرق أبواب البلدية بملف ثقيل، حاول التوسل، حاول المساومة، بل حتى حاول رشوتهم بكلمات معسولة وماء بارد، لكن الموظف حدّق فيه بتجهم وقال: يمكنك تقديم تظلم، لكن نصيحة: لا تضيّع وقتك، هذا المكان يصلح لكل شيء إلا السكن!

ومع مرور الشهور، تراكمت عليه الديون حتى غرق في دوامة الحزن، لم يجد مخرجًا إلا أن يغادر الحياة تاركًا بيته لورثته، وبناء على وصيته حولوه إلى “متحف الأخطاء الهندسية”، حيث يأتي الزوار من كل مكان لالتقاط الصور والتعلم! بينما يقفون بانبهار أمام تمثال صاحب البيت عند المدخل، وقد نُقش على قاعدته بعبارة تهكمية: هنا يرقد أول من تعلم بناء المنزل بالدموع والديون!

Loading

اقرأ أيضاً...