كان شابًا يَعِيشُ حياةً بسيطة، حتى جاء ذلك اليوم الذي ضاع فيه دفتر الجنسية في زحمة معاملة روتينية، لم يكن يدرك حينها أن تلك اللحظة العابرة ستغير مجرى حياته إلى الأبد. فقد جَابَتْهُ الصدمات في كل زاوية؛ تم رفضه في كل مكان، لا حساب مصرفي، ولا وظيفة، ولا حتى مستشفى يقبله. أصبح غريبًا في وطنه، ضائعًا في أروقة الأنظمة، وعاش في معاناة مستمرة حتى رحل، تاركًا لأبنائه إرثًا من الرفض والعزلة.
مرّت الأعوام، وأثناء تنظيف أحد الأدراج القديمة، اكتشف أحد الأحفاد دفتر الجنسية المفقود في جيب سترة مهملة، لكن السخرية كانت في أن هذا الدفتر، الذي حمل الأعباء والهموم على مر السنين، لم يكن في النهاية سوى أوراقٍ!
عزم الحفيد على استعادة ما فقدته عائلته، توجه لمكتب حكومي فقال له الموظف بابتسامة ساخرة: الهوية اليوم لم تعد ترتبط بالورق، أصبحت رقميّة، فلا حاجة لكم بهذه الوثائق القديمة.
رد الحفيد في مرارة، قائلاً: إذن، كل تلك المعاناة كانت من أجل أوراق؟!
أجاب الموظف بهدوء: أجل، فكل شيء الآن صار مرتبطًا بأنظمة رقمية.
وهكذا، تحوّل الحفيد من مواطن يحمل ورقة إلى شخص بلا هوية، ليصبح في النهاية مواطنًا رقميًا، في زمنٍ أصبح فيه الإنسان مجرد رقم!