من أخبارِ الأزمانِ الماضية الغابرة.. يحكى أنّ رجلًا ضاق باسمِه المفرد! فأراد نداءً يسبقه: يا معالي الوزير.
سعى في طلب السِّر حتى دُلَّ على شيخ في قمة جبل منسيّ، شيخ عُرِفَ بين أهل البلاط بوصفات الملوك والوزراء.
تهيّأ بطقوس مُحكمة: اغتسل قبل السَّحَر، وأمسك لسانه، وأوقد قنديلاً واحداً، ثم خط الوصفة بحبر داكن على رَق قديم مُشمَّع.
لمّا اكتمل السَّحَرُ الثالث، فتح الرَّق القديم وتهجّى سطور الشيخ..
الوصفة الأولى: قلِّل بند مصروفات الدولة، فهكذا تُكسب رضا الكبار سريعًا، إذ يُثنيهم الوفرُ قبل سواه!
الوصفة الثانية: زِد النماذج، وسِق أصحاب الحاجات من غرفةٍ إلى أخرى، وأوقف النظام ساعة، فإذا ازدحم الناس، قُل: نُنظِّم الفوضى!
الوصفة الثالثة: حوِّل ما وقع سهواً إلى إجراءاتٍ موحَّدة! يتساوى الجميعُ في الانتظار… فيهدأ السؤال!
الوصفة الرابعة: اختر مسؤولاً مؤقتاً يلمع أسبوعاً، ثم احمله الخطأ كاملاً، تتجدّد الثقة كلما تجدد الكبش!
الوصفة الخامسة: قل: لن نتساهل، سنحاسب، والإصلاح جارٍ، ارفع النبرة، واخفض التفاصيل!
الوصفة السادسة: انشر نِسبًا وأسهمًا وألوانًا مُبهِرة، فإذا سُئلت عن أصلها، فقل: أثبتت دراساتنا وأبحاثُنا، وهذا نتاج جهود فريقنا… و و و و…. فيظنّ السامعون أنّ الأمر محسوم!
الوصفة السابعة: شكّل لجنة عُليا تستقبل كل شيء ولا تُسلِّم شيئاً!
الوصفة الثامنة: كلما اشتدّ السؤال، أعلِن خريطة جديدة للهيكل، تتبدّل الأسماء… ويبقى المسار كما هو!
الوصفة التاسعة: افتح منصّة أنيقة للشكاوى، تُجيب في السِّعة وتَغيب في الذروة، أكثر ما تصلحه هو المزاج العام!
الوصفة العاشرة: أحكِم شبكة العلاقات، كل امتياز خيط آخر يربط الكرسي بما حوله!
فلما فرغ من تطبيق الوصفات، نُودي في الديوان ونُصِّب وزيرًا، ودامت ولايته سنين طوالاً، إذ أحكم أسباب البقاء واستظلَّ بامتيازات المنصب.
أُعلنت في البلاد إصلاحات كبرى، تُوحِّد الدواوين وتُغلق الزائد منها.
تهلّل:لعلّي أصير والياً بعد الدمج.
أُلغيت وزارته لتقليل المصروفات، كما كان ينصح!
بقي اللقب على الورق… وزالت الدار.
عاد يصعد الجبل بعين تستفهم: لِمَ عَمِلت الوصفات سنين ثم خمد سحرها؟! أهيَ ناقصة يا شيخ، أم إنَّ البقاءَ لا يُؤخَذ بالوصفة؟!
وجد الصومعة خالية وقبر الشيخ عند القمّة؛ وعلى شاهده نُقِش:
الوصفة الأخيرة: إن أردتَ بقاء لا يَبلى، فاترك ما يُبقِيك؛ اخدم الحق فيُبقِيك الناس، وأما الكرسيُّ فيبقى بلا أسماء!