بين البهرجة والخيال أين يقف مسرح الطفل اليوم؟

من يراقب واقع مسرح الطفل في الكويت تحديدًا، يلحظ حالة من التذبذب ما بين التجارب الجادة التي تحاول تقديم محتوى نوعي، وتجارب أخرى يغلب عليها الطابع التجاري، وتكتفي بإبهار الطفل دون أن تلامس وعيه أو وجدانه، وإن كانت هذه الثنائية ليست جديدة على أي نوع من الفنون، فإن خطورتها في مسرح الطفل تتضاعف، لأن الجمهور هنا لا يزال في طور التشكّل، وهو أكثر قابلية للتأثر والانجذاب للمظهر قبل الجوهر.

لقد تحوّل جزء لا بأس به من عروض مسرح الطفل إلى فضاء استهلاكي بصري، حيث تطغى المؤثرات، وتُستبدل الحبكة بالموسيقى العالية والرقصات الإستعراضية، وتتحوّل الشخصيات إلى رموز تسويقية أكثر من كونها أدوات درامية، لا تُقدَّم القصة، بل تُمرر في فقرات سريعة تُشبه عروض المواهب أو فواصل القنوات.

ومع ذلك، من غير المنصف أن نرسم الصورة بلون واحد، في الجهة الأخرى من المسرح، ثمة تجارب حقيقية تُبذل فيها جهود إبداعية وفكرية لتقديم محتوى مدروس يناسب عقل الطفل وخياله، هناك عروض تراعي الفئات العمرية بدقة، تكتب نصوصًا تُبنى على قضايا الطفل اليومية أو على رموز من تراثه وهويته، وتُستخدم فيها المؤثرات لا لإبهار الطفل فقط، بل لدعمه على التفاعل والفهم والانغماس في السياق.

التمييز ليس في وجود الأغنية أو الضوء أو الدمية، بل في كيف تُوظَّف، فالمؤثرات ليست عدوًا للمحتوى، بل قد تكون رافعة له، متى ما كانت في خدمة القصة والفكرة.

في التجربة الكويتية، يمكن أن نرصد كلا التيارين، هناك مواسم مسرحية – خاصة في الأعياد – يُنتَج فيها عدد كبير من العروض، كثير منها يعتمد على شخصيات كرتونية أو مشاهد غنائية مكررة، ويُقدَّم بسرعة ليُباع أكثر مما يُصنع بإتقان.

لكن في المقابل، هناك فرق وجهات، حكومية وأهلية، تحاول أن تخرج من هذه الدائرة، وتنتج عروضًا ذات قيمة تربوية وفكرية، ولو بموارد محدودة.

الخلل ليس في المسرح ذاته، بل في غياب الرؤية طويلة الأمد تجاه جمهور الطفل، فحين يُنظر إلى الطفل على أنه “مستهلك مؤقت”، ستكون النتيجة مسرحًا عابرًا، لكن حين نؤمن أن هذا الطفل هو جمهور الغد وصانع قراره، فإن نوعية ما نقدمه له اليوم تصبح مسؤولية وطنية وثقافية وتربوية.

فما الحل؟ وأين دور الأطراف المختلفة؟

  • المؤلفون: مطلوب منهم الخروج من القوالب المكررة، وكتابة نصوص ذكية ومشوقة تحترم عقل الطفل، وتراعي اختلاف مراحله العمرية، فالنص يجب أن يكون نقطة انطلاق، لا مجرد وسيلة لحشو الرسائل.
  • المخرجون والممثلون: من الضروري أن يتلقوا تدريبات خاصة في مسرح الطفل، لأن الأداء الموجَّه للطفل ليس تقليصًا للمجهود، بل يحتاج إلى فهم سيكولوجي وتكنيكات أداء تختلف تمامًا عن مسرح الكبار.
  • شركات الإنتاج: عليها أن توازن بين الربح والجودة، الاستثمار في نص جيد، وإخراج مدروس، وأداء احترافي، لا يُضعف الربحية على المدى الطويل، بل يصنع جمهورًا وفيًا ومتعطشًا للتجربة الحقيقية.
  • الشركات الراعية والمؤسسات الداعمة: لا يكفي دعم العروض من باب العلاقات العامة، يجب أن يكون الدعم مشروطًا بمعايير جودة، وأن يُخصَّص جزء منه لدعم التدريب وورش الكتابة والتمثيل والتقنيات الخاصة بمسرح الطفل.
  • الإعلام والصحافة: لهما دور محوري في تقييم العروض، وتسليط الضوء على التجارب الجادة، وطرح الأسئلة التي تحفز النقاش المجتمعي حول جودة ما يُقدَّم، التغطية الإعلامية يجب أن تتجاوز الدعاية وتتبنى النقد المسؤول.
  • الجمهور: للأهل والمربين دور في اختيار ما يُعرَض لأطفالهم، وعدم الانجرار وراء ما يبدو ممتعًا من الوهلة الأولى، الطفل يستحق الأفضل، لكن لن يصله إلا إن طالبنا به.

في نهاية المطاف، لا يمكن النظر إلى مسرح الطفل كترفٍ ترفيهي، بل كركيزة أساسية في تشكيل وعي الأجيال وتنمية ذائقتهم، وبين مسرح يُغرق الطفل في البهرجة وآخر يوقظ فيه الخيال، تبرز الحاجة إلى تجربة مسرحية تُدهشه باحترام، وتترك فيه أثرًا لا يُمحى.

Loading

اقرأ أيضاً...